صورة الغلاف

“في معملي خلية “1”…. مَن الأصعب الموت أم الحياة..؟!!


رائعة الجمال.. مفعمة بالحيوية والنشاط.. تمد يدها في كل اتجاه.. تتوهج مضيئة كالشمس في رابعة النهار.. إنها صغيرة جدا في حجمها كبيرة جدا في أفعالها.. حتى عجز العلم بكل ما أوتي من قوة عن فهم حقيقتها.. كلما رأيتها من خلال عدسات الميكروسكوب شعرت أنها تنظر إلي بكل ثقة في النفس وقوة تحدي لا تجارى.. إنني أتحدث عن الخلية التي يبنى منها كل جسم حي.. صغير كان أم كبير..
. 
بالأمس وبعد أن غادر جميع الباحثين المعمل.. جلست معها أتحدث إليها.. كانت تنصت إلي في صمت رهيب.. لم تكن تتحدث معي بل كانت تخاطب أخواتها من خلايا دماغي لتوقد فيهن نار التحدي.. كانت تصرخ فيّ ها أنا ذا على قيد الحياة.. تفحصت كل أجزاءها.. ورسمت كل ما يدور داخلها في ذاكرتي.. وحين أعياني تحديها.. قتلتها..!! نعم تعمدت وبكل جرأة قتلتها.. لم يكن قتلها سوى البحث عن الحقيقة.. فأنا كنت ولازلت أبحث -في فضول كبير- بين ثناياها عن الفرق بين الموت والحياة فهي تمثل ذلك الخيط الرقيق بينهما..

قتلتها ورحت أراقب موتها… فقد كنت أحرص أشد الحرص على أن لا يمر وقت طويل بين حياتها وموتها.. لأرى تلك التغييرات التي حدثت قبل موتها وأثناء موتها وبعد موتها.. وكان كل شيئ كما هو.. نواتها لازالت مضيئة… أجهزها لازالت ثابتة كالصرح الأشم الشامخ.. لازالت تلتف بغشاءها الخلوي كحسناء تلتف بعباءتها تستحي أن ينكشف منها شيئ.. بقيت كما هي إلا أنها إنتقلت من صفة الحياة إلى الموت.. كان ذلك قمة الفضول بالنسبة لي.. وبعد فحص دقيق وجدت المتغير..
تغير شيئ واحد وفقط.. إنه الحركة.. تلك الحركة المذهلة في داخل الخلية والتي يتحرك فيها ملايين الجزيئات بحركة منظمة منمقة متزنة.. توقفت كلها معا..!! لم يكن هناك أي عشوائية أو عدم أنتظام.. بل كان كل شيئ في مكانه إلا أنه مشلول عاجز عن الحركة.. ومهما حاولت أن أعيد إليها حركتها لم أستطع.. وضعتها في سائل مغذي من جديد.. وحضان ذي درجة حرارة مناسبة.. أملاح.. أحماض.. قلويات.. معادن.. وأنتظرت فترة من الزمن علها تثوب إلى رشدها ولكن شيئا لم يحدث.. ببساطة لقد ماتت..
.
أتركوا العواطف جانبا ودعونا نفكر للحظة..!
.
في حياتنا البسيطة لو وضعنا مواد قابلة للتفاعل مع بعضها البعض في درجة حرارة مناسبة وبيئة مناسبة يحدث التفاعل بل ويستمر طالما أن شروطه متوفرة.. بل إن السيطرة عليه لا تتم إلا في حال غيرنا البيئة.. فعلى سبيل المثال لو فتحنا انبوبة الغاز ثم أشعلنا النار.. سيستمر تفاعل الغاز من الأكسجين والاحتراق حتى نتدخل فنوقفه.. تخيلوا معي لو كان هناك مليون أنبوبة غاز تشتعل ونريد إطفائها في نفس الوقت..!!
.
الخلية فيها ملايين التفاعلات.. كلها تتوفر لها شروطها.. وسط مغذي.. حرارة مناسبة.. أملاح.. أحماض.. قلويات.. معادن.. كلها موجودة لم ينقص منها شيئ فلماذا لا تعود إلى الحياة..؟؟
نعم الخلية تحتوي على أكثر من مليون تفاعل كلها تعمل في شكل منتظم.. وهذه هي الحياة..!
إيقاف تلك الملايين من التفاعلات في نفس الوقت.. ذلك هو الموت..!!
إذن..
ما الفرق بين الحياة والموت..؟؟
.
إن تهيأة الظروف الملائمة ليبدأ التفاعل الحيوي وينشأ منه خلية تستمر في تفاعلها يتطلب إرادة وحكمة بالغة.. وإن إيقاف تلك التفاعلات رغم وجود كل الظروف يتطلب كذلك حكمة بالغة وإرادة قادرة على أن توقف كل التفاعلات في نفس اللحظة..!
ولذلك فقد وصلت إلى قناعة تامة
أن الموت صعب كالحياة..

والآن تلمست معنى قوله تعالى
الذي خلق الموت والحياة……”
فالموت خلق لظروف توقف التفاعل رغم وجود شروطه..
والحياة خلق لظروف التفاعل رغم انتفاء كل شروطه..

والله أعلى وأعلم

معلومات المقال

  • مؤلف المقال : د. كامل صالح -- رئيس التحرير
  • تاريخ كتابة المقال : 2021-01-02