الصندوق المقفل
الصندوق المقفل…
يقال إن أحد الصيادين علقت شبكته بصندوق… كان ذلك الصندوق رغم نمو الطحالب عليه… ورغم قسوة ملوحة البحر ومياهه.. ورغم اختلاف الموج وشدته وتعدد أشكاله.. محكم الأغلاق… لكن الصياد لم يحفل بقوة الإغلاق ولا متانتها.. حمل الصندوق وسار به مبتهجا يمني النفس بمال وفير وجواهر متلألئة… لا شك أنه صندوق فيه ما غلى ثمنه وحسن جماله.. حيث كان يشاهد محتوياته من خلال ثقب صغير جدا في زاوية من زواياه..
حينما هبط الليل أخذ الصياد مطرقته وفأسه وراح يطرق ذلك الصندوق بكل قوته وصلف وعنف لكن دون جدوى.. فقد كان الصندوق مع كل ضربة يزداد صلابة وشدة.. ظل الصياد كل ليلة وكل يوم يتردد على الصندوق يحاول فتحه لكن كان الصندوق يزداد قساوة و”كأنه” يتحول إلى فولاذ يرتد عنه الفأس فمرة يصيب قدم الصياد أو ساقه.. وفي النهاية ارتد الفأس ليصيب الصياد في إحدى عينيه فيفقأها…
لعن الصياد الصندوق… ورماه في زاوية من زوايا كوخه الخرب.. ثم أخرجه ورماه تحت ركام القطع والعدد التي لم تعد تصلح لشيء…
في القرية سرت الأحاديث بأن الصياد قد وجد صندوقا ملعونا… وفي أقل الروايات قيل ان الصندوق مسحور… وكل من يحاول الاقتراب منه يلقى جزاءه… هكذا كان الناس لا يرغبون حتى بالمرور من امام بيت ذلك الصياد…
في بيت الصياد زوجة صالحة عاقلة… لا تؤمن بالخرافات ولا بالترهات… كانت تسمع ما يدور في أروقة القرية وأزقتها فتحاول جاهدة أن تخفف عن زوجها وتلاطفه كلما رأته مهموما… كانت بالنسبة له ملاذه الأخير وحصنه الذي لا تقتحمه الهموم..
ذهبت تلك السيدة إلى الصندوق أدارته من جوانبه كلها فرأت ذلك الثقب الصغير في زاويته… أخذت إبرة وأدخلتها في الثقب فتوسع قليلا… لم تطمح إلى أكثر من ذلك… أحضرت بذرة ورد وأدخلتها في الصندوق من خلال ذلك الثقب… وظلت كل يوم تسقي تلك البذرة… بعد عدة أيام خرج ساق البذرة من الثقب فالنبات يبحث عن الضوء دائما… كبرت تلك الساق ونمت وألقت بجذورها في الصندوق… بعد فترة من الزمن أينعت النبتة بأزهار بيضاء جميلة ورائحة زكية طيبة… ألبست السيدة الفاضلة الصندوق قطعة من قماش ووضعته في باب منزلها حتى أصبح الناس يتسابقون للمرور من باب منزلها ليستنشقوا طيب الرائحة ويستمتعوا بروعة الأزهار… حتى زوجها كان يمضي جزء من وقته واقفا مع الصندوق يستمتع بلونه ورائحته دون أن يدري تفاصيل قصته…!
هكذا هم أبناؤنا في مختلف مراحل نموهم.. صناديق مقفلة… يصعب على الكثيرين التفاهم معهم.. والأسوء أن البعض يحاول أن يفتح ذلك الصندوق على مصراعيه… وأن يعبث بمحتوياته… وأن يغير كل شيء فيه ليصبح على هواه… رغم أن كل الشواهد تصرخ فيه “أنك لن تستطيع” وإذا فشل في فتح قلب صغيره رماه وأهمله…!!!
لكن الحكمة تقول “حاول أن تبذر في قلب إبنك بذرة الخير ثم اسقها من جميل كلامك… فالخير لا ينبته إلا خير الكلام ولا يرويه إلا خير النصيحة… وأبقي الصندوق مقفلا بكرامته فسيزهر يوما حتى لو كان محكم الإقفال…”
وفقكم الله..
معلومات المقال