سلسلة الكون “الحلقة الأولى”
الحلقة الأولى:
.
أغرب ما في الكون أن فهمه يعتمد على فهم أصغر شيء فيه، ليست الجزيئات، وليست الذرات، بل ما هو أصغر من ذلك بكثير…!
كذلك فإن أصعب ما في العلم أن المعلومات لا يمكن لها أن تأتي فجأة إنما يجب أن تبنى معلومة.. معلومة، وتظل صعوبة الطرح العلمي قائمة حين تتشابك المعلومات خصوصا لغير المتخصصين، هنا تقفز التحديات أمام المتخصص ليطرح المعلومة في إطارها المبسط لتخاطب الجميع دون أن يخل ذلك بالمعنى..
هكذا هو الكون، يجسد أمامنا هذا الكم الهائل من المعلومات والتي هي رغم ضخامتها يستطيع كل ذي عقل أن يفهم منها ما يريد، كل حسب معلوماته، فالمتخصص ينظر إليه ليرى أدق الأمور تسير في منظومتها السحرية الدقيقة بل متناهية الدقة، وغير المتخصص ينظر للكون برمته على أنه أعجوبة بكل تفاصيل الأعاجيب، وكلاهما “المتخصص وغير المتخصص” مفتون بما لديه ومغرم بطريقته الخاصة، وهذا ما يشكل النموذج الرائع والملهم لتبسيط العلم…
وإذا كان طرح المعلومة في سياق مبسط يفهمها المتخصص وغير المتخصص يدل على أن من يصوغها عالم بها، فلابد أن من صاغ الكون بهذا التصميم “المبسط المعقد” عالم لا يبارى ومبدع لا يدانى…
هكذا حينما ننظر نشعر بأننا مخاطبون بدقة التصميم المبسط في ظاهره المعقد في تركيبته، وكلما سبرنا غوره لاحت لنا المعجزات في كل جانب منه، ننطلق وفقا لمبدأ “ثم ارجع البصر كرتين” لندرك بعد كل مرة أننا أمام كتلة هائلة من القوانين التي تحكم كتلة هائلة من الجسيمات تترتب كلها في دقة متناهية.
عند إدراكنا لهذه المعطيات ننقسم إلى فسطاطين، فسطاط منبهر بما يراه من محسوسات وجسيمات وتنظيم دون أن يتساءل عن قدرة من أوجدها ونظمها، ويحبس نفسه في المحسوسات التي يمكنه أن يجري عليها التجارب وفقط.
والفسطاط الثاني هو الذي جعل من فلسفته طريقة تدله على عظمة وقدرة وإبداع صنع الذي أوجد هذا الكون…
وما بين هذين الفريقين يدور صراع يخرج عن العلم إلى ساحة القوة التي يفرضها طرف على آخر ليس بالدليل إنما بالقوة المادية وحسب.
هذا الكون بكل مكوناته يقف شاهدا على هذا الصراع دون أن يتدخل ولو بكلمة واحدة، ودون أن يميل إلى طرف دون طرف، يقف محايدا في عرضه للمعلومات لكنه يُظهر دون أدنى شك من الذي يفكر بعقلانية وشمولية وفلسفية واعية، ومن الذي يتحجر أمام المعلومات فقط استجابة لبعض القوانين التي وضعها غيره والتي تحرم عليه التفكير “بما وراء” هذه المعطيات.
ما بين هذا وذاك يطل علينا الكون بأنواره البهية ليمنحنا شعورا لا متناهيا من المتعة سواء كنا في المعمل أو بين الكتب أو في صحراء خالية..
…
نلقاكم في الحلقة التالية بحول الله
معلومات البحث